كتاب: تحفة المحتاج بشرح المنهاج

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تحفة المحتاج بشرح المنهاج



(قَوْلُهُ لِمَا يَأْتِي) أَيْ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَحَيْثُ أَقُولُ وَقِيلَ كَذَا إلَخْ كُرْدِيٌّ.
(قَوْلُهُ قَدْ يُبَيِّنُ) أَيْ نَحْوُ أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ وَأَظْهَرِ الْوَجْهَيْنِ وَقَوْلُهُ وَقَدْ لَا أَيْ نَحْوُ الْأَصَحِّ وَالْأَظْهَرِ مُغْنِي.
(قَوْلُهُ وَلَا يُنَافِيهِ إلَخْ) أَيْ كَمَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ حَيْثُ ذُكِرَ، وَلَعَلَّهُ لَمْ يُفَرِّعْهُ عَلَيْهِ نَظَرًا لِعَطْفِ قَوْلِهِ أَوْ فِيهَا نَصٌّ إلَخْ عَلَى قَوْلِهِ فِيهَا خِلَافٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ مِنْ ذَلِكَ.
(قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ إلَخْ) هَذَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ إرْجَاعِ قَوْلِهِ فِي جَمِيعِ الْحَالَاتِ لِجَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ فَلْيُتَأَمَّلْ بَلْ قَضِيَّتُهُ اخْتِصَاصُ قَوْلِهِ فِي جَمِيعِ الْحَالَاتِ بِقَوْلِهِ وَمَرَاتِبِ الْخِلَافِ، وَبِهِ يَسْهُلُ الْحَالُ جِدًّا سم وَقَدْ يُغْنِي عَنْ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ وَعَنْ قَوْلِهِ الْآتِي؛ لِأَنَّ قَضِيَّتَهُ إلَخْ قَوْلُهُ غَالِبًا تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ سِيَاقِهِ الْآتِي) أَيْ بِقَوْلِهِ وَحَيْثُ أَقُولُ النَّصُّ إلَخْ كُرْدِيٌّ.
(قَوْلُهُ نَصًّا يُقَابِلُهُ وَجْهٌ أَوْ تَخْرِيجٌ) أَيْ بِحَسَبِ اطِّلَاعِهِ فَلَا يَرِدُ مَا عَسَاهُ يُفْرَضُ مِنْ تَرْكِهِ نَصًّا يُقَابِلُهُ مَا ذُكِرَ فَلَعَلَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ فَلْيُتَأَمَّلْ سم أَقُولُ يُغْنِي عَمَّا قَدَّرَهُ قَوْلُ الشَّارِح، وَأَنَّهُ لَا يُذْكَرُ إلَخْ إلَّا أَنْ يُرِيدَ أَنَّ مَا قَدَّرَهُ يُغْنِي عَنْ قَوْلِ الشَّارِحِ الْمَذْكُورِ.
(قَوْلُهُ: وَأَنَّهُ لَا يُذْكَرُ كُلُّ نَصٍّ إلَخْ) وَقَدْ يُقَالُ فَمَا الْمُرَجِّحُ حِينَئِذٍ لِتَخْصِيصِ الْبَعْضِ بِالذِّكْرِ مَعَ اتِّحَادِ النَّوْعِ.
(فَحَيْثُ) بِالضَّمِّ وَيَجُوزُ الْفَتْحُ وَالْكَسْرُ مَعَ إبْدَالِ يَائِهِ وَاوًا أَوْ أَلِفًا وَهِيَ دَالَّةٌ عَلَى الْمَكَانِ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا كَمَا فِي: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} بِتَضْمِينِ أَعْلَمُ مَعْنَى مَا يَتَعَدَّى إلَى الظَّرْفِ أَيْ اللَّهُ أَنْفَذُ عِلْمًا حَيْثُ يَجْعَلُ أَيْ هُوَ نَافِذُ الْعِلْمِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فَانْدَفَعَ مَا قِيلَ يَتَعَيَّنُ أَنَّهَا مَفْعُولٌ بِهِ عَلَى السَّعَةِ؛ لِأَنَّ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ لَا يَنْصِبُهُ لَا ظَرْفٌ لِأَنَّهُ تَعَالَى لَا يَكُونُ فِي مَكَان أَعْلَمَ مِنْهُ فِي مَكَان، وَلِأَنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُ يَعْلَمُ نَفْسَ الْمَكَانِ الْمُسْتَحِقَّ لِوَضْعِ الرِّسَالَةِ لَا شَيْئًا فِي الْمَكَانِ قِيلَ وَكَمَا هُنَا وَهُوَ عَجِيبٌ إذْ التَّقْدِيرُ فَكُلُّ مَكَان مِنْ هَذَا الْكِتَابِ (أَقُولُ) فِيهِ.
وَزَعَمَ الْأَخْفَشُ أَنَّهَا تَرِدُ لِلزَّمَانِ (الْأَظْهَرُ أَوْ الْمَشْهُورُ فَمِنْ) مُتَعَلِّقٌ بِالْأَظْهَرِ أَوْ الْمَشْهُورِ لِكَوْنِهِ كَالْوَصْفِ لَهُ أَيْ فَأَحَدُهُمَا كَائِنٌ مِنْ جُمْلَةِ (الْقَوْلَيْنِ أَوْ الْأَقْوَالِ فَإِنْ قَوِيَ الْخِلَافُ) لِقُوَّةِ مُدْرَكِ غَيْرِ الرَّاجِحِ مِنْهُ بِظُهُورِ دَلِيلِهِ وَعَدَمِ شُذُوذِهِ وَتَكَافُؤِ دَلِيلِهِمَا فِي أَصْلِ الظُّهُورِ، وَيَمْتَازُ الرَّاجِحُ بِأَنَّ عَلَيْهِ الْمُعْظَمَ أَوْ بِكَوْنِ دَلِيلِهِ أَوْضَحَ، وَقَدْ لَا يَقَعُ تَمْيِيزٌ (قُلْت الْأَظْهَرُ) لِإِشْعَارِهِ بِظُهُورِ مُقَابِلِهِ (وَإِلَّا) يَقْوَ مُدْرِكُهُ (فَالْمَشْهُورُ) هُوَ الَّذِي أُعَبِّرُ بِهِ لِإِشْعَارِهِ بِخَفَاءِ مُقَابِلِهِ، وَيَقَعُ لِلْمُؤَلِّفِ تَنَاقُضٌ بَيْنَ كُتُبِهِ فِي التَّرْجِيحِ يَنْشَأُ عَنْ تَغَيُّرِ اجْتِهَادِهِ فَلْيَعْتَنِ بِتَحْرِيرِ ذَلِكَ مَنْ يُرِيدُ تَحْقِيقَ الْأَشْيَاءِ عَلَى وَجْهِهَا (وَحَيْثُ أَقُولُ الْأَصَحُّ أَوْ الصَّحِيحُ فَمِنْ الْوَجْهَيْنِ أَوْ الْأَوْجُهِ) ثُمَّ إنْ كَانَتْ مِنْ وَاحِدٍ فَالتَّرْجِيحُ بِمَا مَرَّ فِي الْأَقْوَالِ أَوْ مِنْ أَكْثَرَ فَهُوَ بِتَرْجِيحِ مُجْتَهِدٍ آخَرَ (فَإِنْ قَوِيَ الْخِلَافُ) بِنَظِيرِ مَا مَرَّ فِي الْأَقْوَالِ (قُلْت الْأَصَحُّ) لِإِشْعَارِهِ بِصِحَّةِ مُقَابِلِهِ وَكَانَ الْمُرَادُ بِصِحَّتِهِ مَعَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِالضَّعْفِ وَمَعَ اسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِ حُكْمَيْنِ مُتَضَادَّيْنِ عَلَى مَوْضُوعٍ وَاحِدٍ فِي آنٍ وَاحِدٍ أَنَّ مُدْرِكَهُ لَهُ حَظٌّ مِنْ النَّظَرِ بِحَيْثُ يَحْتَاجُ فِي رَدِّهِ إلَى غَوْصٍ عَلَى الْمَعَانِي الدَّقِيقَةِ وَالْأَدِلَّةِ الْخَفِيَّةِ بِخِلَافِ مُقَابِلِ الصَّحِيحِ الْآتِي فَإِنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يَرُدُّهُ النَّاظِرُ وَيَسْتَهْجِنُهُ مِنْ أَوَّلِ وَهْلَةٍ فَكَانَ ذَلِكَ صَحِيحًا بِالِاعْتِبَارِ الْمَذْكُورِ، وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا بِالْحَقِيقَةِ لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ فَلَمْ يَجْتَمِعْ حُكْمَانِ كَمَا ذُكِرَ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَأَعْرِضْ عَمَّا وَقَعَ هُنَا مِنْ إشْكَالَاتٍ وَأَجْوِبَةٍ لَا تُرْضِي.
وَقَدْ يَقَعُ لِلْمُصَنِّفِ أَنَّهُ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ يُعَبِّرُ بِالْأَظْهَرِ وَفِي بَعْضِهَا يُعَبِّرُ عَنْ ذَلِكَ بِالْأَصَحِّ فَإِنْ عَرَفَ أَنَّ الْخِلَافَ أَقْوَالٌ أَوْ أَوْجُهٌ فَوَاضِحٌ، وَالْأَرْجَحُ الدَّالُّ عَلَى أَنَّهُ أَقْوَالٌ؛ لِأَنَّ مَعَ قَائِلِهِ زِيَادَةَ عِلْمٍ بِنَقْلِهِ عَنْ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِخِلَافِ نَافِيهِ عَنْهُ (وَإِلَّا) يَقْوَ (فَالصَّحِيحُ) هُوَ الَّذِي أُعَبِّرُ بِهِ لِإِشْعَارِهِ بِانْتِفَاءِ اعْتِبَارَاتِ الصِّحَّةِ عَنْ مُقَابِلِهِ، وَأَنَّهُ فَاسِدٌ وَلَمْ يُعَبِّرْ بِنَظِيرِهِ فِي الْأَقْوَالِ بَلْ أَثْبَتَ لِنَظِيرِهِ الْخَفَاءَ، وَأَنَّ الْقُصُورَ فِي فَهْمِهِ إنَّمَا هُوَ مِنَّا فَحَسْبُ تَأَدُّبًا مَعَ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ كَمَا قَالَ وَفَرْقًا بَيْنَ مَقَامِ الْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ فَإِنْ قُلْت إطْبَاقُهُمْ هُنَا عَلَى أَنَّ التَّعْبِيرَ بِالصَّحِيحِ قَاضٍ بِفَسَادِ مُقَابِلِهِ يَقْتَضِي أَنَّ كُلَّ مَا عُبِّرَ فِيهِ بِهِ لَا يُسَنُّ الْخُرُوجُ مِنْ خِلَافِهِ لِأَنَّ شَرْطَ الْخُرُوجِ وَمِنْهُ عَدَمُ فَسَادِهِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَقَدْ صَرَّحُوا فِي مَسَائِلَ عَبَّرُوا فِيهَا بِالصَّحِيحِ بِسَنِّ الْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ فِيهَا قُلْت يُجَابُ بِأَنَّ الْفَسَادَ قَدْ يَكُونُ مِنْ حَيْثُ الِاسْتِدْلَال الَّذِي اسْتَدَلَّ بِهِ لَا مُطْلَقًا فَهُوَ فَسَادٌ اعْتِبَارِيٌّ وَبِفَرْضِ أَنَّهُ حَقِيقِيٌّ قَدْ يَكُونُ بِالنِّسْبَةِ لِقَوَاعِدِنَا دُونَ قَوَاعِدِ غَيْرِنَا وَلِمَا ظَهَرَ لِلْمُصَنِّفِ مَثَلًا وَاَلَّذِي ظَهَرَ لِغَيْرِهِ قُوَّتُهُ فَنُدِبَ الْخُرُوجُ مِنْهُ (وَحَيْثُ أَقُولُ الْمَذْهَبُ فَمِنْ الطَّرِيقَيْنِ أَوْ الطُّرُقِ) كَأَنْ يَحْكِيَ بَعْضٌ الْقَطْعَ أَيْ أَنَّهُ لَا نَصَّ سِوَاهُ وَبَعْضٌ قَوْلًا أَوْ وَجْهًا أَوْ أَكْثَرَ، وَبَعْضٌ ذَلِكَ أَوْ بَعْضَهُ أَوْ غَيْرَهُ مُطْلَقًا أَوْ بِاعْتِبَارٍ كَمَا مَرَّ ثُمَّ الرَّاجِحُ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْمَذْهَبِ قَدْ يَكُونُ طَرِيقُ الْقَطْعِ أَوْ مُوَافِقُهَا مِنْ طَرِيقِ الْخِلَافِ أَوْ مُخَالِفَهَا، لَكِنْ قِيلَ الْغَالِبُ أَنَّهُ الْمُوَافِقُ وَالِاسْتِقْرَاءُ النَّاقِصُ الْمُفِيدُ لِلظَّنِّ يُؤَيِّدُهُ.
وَرُبَّمَا وَقَعَ لِلْمَجْمُوعِ كَالْعَزِيزِ اسْتِعْمَالُ الطَّرِيقَيْنِ مَوْضِعَ الْوَجْهَيْنِ وَعَكْسُهُ (وَحَيْثُ أَقُولُ النَّصُّ فَهُوَ نَصُّ) الْإِمَامِ الْقُرَشِيِّ الْمُطَّلِبِيِّ الْمُلْتَقِي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَدِّهِ الرَّابِعِ عَبْدِ مَنَافٍ مُحَمَّدِ بْنِ إدْرِيسَ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ شَافِعِ بْنِ السَّائِبِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عَبْدِ يَزِيدَ بْنِ هَاشِمِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ (الشَّافِعِيِّ) نِسْبَةً لِشَافِعٍ الْمَذْكُورِ، وَشَافِعٌ هَذَا أَسْلَمَ هُوَ وَأَبُوهُ السَّائِبُ صَاحِبُ رَايَةِ قُرَيْشٍ يَوْمَ بَدْرٍ (رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ) إمَامُ الْأَئِمَّةِ عِلْمًا وَعَمَلًا وَوَرَعًا وَزُهْدًا وَمَعْرِفَةً وَذَكَاءً وَحِفْظًا وَنَسَبًا فَإِنَّهُ بَرَعَ فِي كُلٍّ مِمَّا ذُكِرَ وَفَاقَ فِيهِ أَكْثَرَ مَنْ سَبَقَهُ لَاسِيَّمَا مَشَايِخُهُ كَمَالِكٍ وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَمَشَايِخِهِمْ، وَاجْتَمَعَ لَهُ مِنْ تِلْكَ الْأَنْوَاعِ وَكَثْرَةِ الْأَتْبَاعِ فِي أَكْثَرِ أَقْطَارِ الْأَرْضِ.
وَتَقَدَّمَ مَذْهَبُهُ وَأَهْلُهُ فِيهَا لَاسِيَّمَا فِي الْحَرَمَيْنِ وَالْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ، وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ وَأَهْلُهَا أَفْضَلُ الْأَرْضِ وَأَهْلُهَا مَا لَمْ يَجْتَمِعْ لِغَيْرِهِ وَهَذَا هُوَ حِكْمَةُ تَخْصِيصِهِ فِي الْحَدِيثِ الْمَعْمُولِ بِهِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ، وَزَعْمُ وَضْعِهِ حَسَدٌ أَوْ غَلَطٌ فَاحِشٌ وَهُوَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَالِمُ قُرَيْشٍ يَمْلَأُ طِبَاقَ الْأَرْضِ عِلْمًا» قَالَ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ نَرَاهُ الشَّافِعِيَّ أَيْ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْتَمِعْ لِقُرَشِيٍّ مِنْ الشُّهْرَةِ كَمَا ذُكِرَ مَا اجْتَمَعَ لَهُ فَلَمْ يَنْزِلْ الْحَدِيثُ إلَّا عَلَيْهِ وَكَاشَفَ أَصْحَابَهُ بِوَقَائِعَ وَقَعَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ كَمَا أَخْبَرَ وَرَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ أَعْطَاهُ مِيزَانًا فَأُوِّلَتْ لَهُ بِأَنَّ مَذْهَبَهُ أَعْدَلُ الْمَذَاهِبِ وَأَوْفَقُهَا لِلسُّنَّةِ الْغَرَّاءِ الَّتِي هِيَ أَعْدَلُ الْمِلَلِ وَأَوْفَقُهَا لِلْحِكْمَةِ الْعِلْمِيَّةِ وَالْعَمَلِيَّةِ وُلِدَ بِغَزَّةَ عَلَى الْأَصَحِّ سَنَةَ خَمْسِينَ وَمِائَةٍ ثُمَّ أُجِيزَ بِالْإِفْتَاءِ وَهُوَ ابْنُ نَحْوِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، ثُمَّ رَحَلَ لِمَالِكٍ فَأَقَامَ عِنْدَهُ مُدَّةً ثُمَّ لِبَغْدَادَ وَلُقِّبَ نَاصِرَ السُّنَّةِ لَمَّا نَاظَرَ أَكَابِرَهَا وَظَفِرَ عَلَيْهِمْ كَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ إذْ ذَاكَ مَيِّتًا ثُمَّ بَعْدَ عَامَيْنِ رَجَعَ لِمَكَّةَ ثُمَّ لِبَغْدَادَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِينَ ثُمَّ بَعْدَ سَنَةٍ لَمِصْرَ فَأَقَامَ بِهَا كَهْفًا لِأَهْلِهَا إلَى أَنْ تَقَطَّبَ.
وَمِنْ الْخَوَارِقِ الَّتِي لَمْ يَقَعْ نَظِيرُهَا لِمُجْتَهِدٍ غَيْرِهِ اسْتِنْبَاطُهُ وَتَحْرِيرُهُ لِمَذْهَبِهِ الْجَدِيدِ عَلَى سَعَتِهِ الْمُفْرِطَةِ فِي نَحْوِ أَرْبَعِ سِنِينَ وَتُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمِائَتَيْنِ بِهَا، وَأُرِيدَ بَعْدَ أَزْمِنَةٍ نَقْلُهُ مِنْهَا لِبَغْدَادَ فَظَهَرَ مِنْ قَبْرِهِ لَمَّا فُتِحَ رَوَائِحُ طَيِّبَةٌ عَطَّلَتْ الْحَاضِرِينَ عَنْ إحْسَاسِهِمْ فَتَرَكُوهُ، وَقَدْ أَكْثَرَ النَّاسُ التَّصَانِيفَ فِي تَرْجَمَتِهِ حَتَّى بَلَغَتْ نَحْوَ أَرْبَعِينَ مُصَنَّفًا ذُكِرَتْ خُلَاصَتُهَا فِي شَرْحِ الْمِشْكَاةِ وَلْيُتَنَبَّهْ لِكَثِيرٍ مِمَّا فِي رِحْلَتِهِ لِلرَّازِيِّ كَالْبَيْهَقِيِّ فَإِنَّ فِيهَا مَوْضُوعَاتٍ كَثِيرَةً (وَيَكُونُ هُنَاكَ وَجْهٌ) مُقَابِلٌ لَهُ (ضَعِيفٌ) لَا يُعْتَمَدُ وَإِنْ كَانَ فِي مُدْرِكِهِ قُوَّةٌ بِالِاعْتِبَارِ السَّابِقِ (أَوْ قَوْلٌ) لَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُخَرَّجَ يُنْسَبُ إلَيْهِ وَفِيهِ خِلَافٌ الْأَصَحُّ لَا لِأَنَّهُ لَوْ عُرِضَ عَلَيْهِ لَرُبَّمَا أَبْدَى فَارِقًا إلَّا مُقَيَّدًا كَمَا أَفَادَهُ قَوْلُهُ (مُخَرَّجٌ) مِنْ نَصِّهِ فِي نَظِيرِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى حُكْمٍ مُخَالِفٍ بِأَنْ يَنْقُلَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ نَصَّ كُلٍّ إلَى الْأُخْرَى فَيَجْتَمِعُ فِي كُلٍّ مَنْصُوصٌ وَمُخَرَّجٌ، ثُمَّ الرَّاجِحُ إمَّا الْمُخَرَّجُ وَإِمَّا الْمَنْصُوصُ وَإِمَّا تَقْرِيرُ النَّصَّيْنِ وَالْفَرْقِ وَهُوَ الْأَغْلَبُ وَمِنْهُ النَّصُّ فِي مُضْغَةٍ قَالَ الْقَوَابِلُ لَوْ بَقِيَتْ لَتُصُوِّرَتْ عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِهَا؛ لِأَنَّ مَدَارَهَا عَلَى تَيَقُّنِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ، وَقَدْ وُجِدَ وَعَدَمُ حُصُولِ أُمَيَّةِ الْوَلَدِ بِهَا؛ لِأَنَّ مَدَارَهَا عَلَى وُجُودِ اسْمِ الْوَلَدِ، وَلَمْ يُوجَدْ (وَحَيْثُ أَقُولُ الْجَدِيدُ) وَهُوَ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِمِصْرَ وَمِنْهُ الْمُخْتَصَرُ وَالْبُوَيْطِيُّ وَالْأُمُّ خِلَافًا لِمَنْ شَذَّ.
وَقِيلَ مَا قَالَهُ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْ بَغْدَادَ إلَى مِصْرَ (فَالْقَدِيمُ) وَهُوَ مَا قَالَهُ قَبْلَ دُخُولِهَا (خِلَافُهُ) وَمِنْهُ كِتَابُهُ الْحُجَّةُ (أَوْ) أَقُولُ (الْقَدِيمُ أَوْ فِي قَوْلٍ قَدِيمٍ) لَا يُنَافِيهِ عَدَمُ وُقُوعِ هَذِهِ فِي كَلَامِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ قَالَهَا بَلْ إنْ صَدَرَتْ فَهِيَ كَسَابِقِهَا (فَالْجَدِيدُ خِلَافُهُ) وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ إلَّا فِي نَحْوِ عِشْرِينَ، وَعَبَّرَ بَعْضُهُمْ بِنَيِّفٍ وَثَلَاثِينَ مَسْأَلَةً يَأْتِي بَيَانُ كَثِيرٍ مِنْهَا، وَأَنَّهُ لِنَحْوِ صِحَّةِ الْحَدِيثِ بِهِ عَمَلًا بِمَا تَوَاتَرَ عَنْ وَصِيَّةِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ إذَا صَحَّ الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ مُعَارِضٍ فَهُوَ مَذْهَبُهُ، وَلَوْ نُصَّ فِيهِ عَلَى مَا لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ فِي الْجَدِيدِ، وَجَبَ اعْتِمَادُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ رُجُوعُهُ عَنْ هَذَا بِخُصُوصِهِ (وَحَيْثُ أَقُولُ وَقِيلَ كَذَا) فَهُوَ وَجْهٌ ضَعِيفٌ (وَالصَّحِيحُ أَوْ الْأَصَحُّ خِلَافُهُ وَحَيْثُ أَقُولُ وَفِي قَوْلِ كَذَا فَالرَّاجِحُ خِلَافُهُ) وَكَانَ تَرْكُهُ لِبَيَانِ قُوَّةِ الْخِلَافِ وَضِعْفِهِ فِيهِمَا لِعَدَمِ ظُهُورِهِ لَهُ أَوْ لِإِغْرَاءِ الطَّالِبِ عَلَى تَأَمُّلِهِ وَالْبَحْثِ عَنْهُ لِيَقْوَى نَظَرُهُ فِي الْمَدَارِكِ وَالْمَآخِذِ وَوَصْفُ الْوَجْهِ بِالضَّعْفِ دُونَ الْقَوْلِ تَأَدُّبًا.
الشَّرْحُ:
(قَوْلُهُ أَيْ اللَّهُ أَنْفَذُ) تَأْوِيلُ أَعْلَمُ بِأَنْفَذُ لَا يَخْلُصُ فَإِنْ أُوِّلَ أَنْفَذُ بِأَصْلِ الْفِعْلِ فَيُمْكِنُ تَأْوِيلُ أَعْلَمُ بِهِ فَلَا وَجْه لِذِكْرِ النُّفُوذِ، وَقَوْلُهُ أَيْ هُوَ نَافِذٌ يَقْتَضِي صَرْفَ أَعْلَمُ عَنْ التَّفْضِيلِ.
(قَوْلُهُ فَانْدَفَعَ مَا قِيلَ يَتَعَيَّنُ أَنَّهَا مَفْعُولٌ بِهِ) صَرَّحَ ابْنُ هِشَامٍ بِأَنَّ حَيْثُ فِي الْآيَةِ مَفْعُولٌ بِهِ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ أَيْ يَعْلَمُ.
(قَوْلُهُ لَا ظَرْفٌ) ضَبَّبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَفْعُولِ بِهِ.
(قَوْلُهُ قِيلَ وَكَمَا هُنَا) كَانَ قَوْلُهُ وَكَمَا هُنَا عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ كَمَا فِي: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} وَقَوْلُهُ إذْ التَّقْدِيرُ إلَخْ كَأَنَّهُ رَدٌّ عَلَى مَا فِي هَذَا الْقِيلِ مِنْ أَنَّ مَا هُنَا مِنْ الْمَكَانِ الْمَجَازِيِّ بِأَنَّ مَا هُنَا مَكَانٌ حَقِيقِيٌّ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ أَجْزَاءَ الْكِتَابِ سَوَاءٌ جُعِلَ بِمَعْنَى الْأَلْفَاظِ أَوْ النُّقُوشِ أَوْ الْمَعَانِي أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا فُصِّلَ فِي مَحَلِّهِ لَيْسَتْ أَمَاكِنَ حَقِيقَةً لِلْقَوْلِ الْمَذْكُورِ سَوَاءٌ أَرَدْنَا بِالْمَكَانِ لُغَةً أَوْ الْمَكَانِ اصْطِلَاحًا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لِمَنْ تَأَمَّلَ مَعْنَى الْمَكَانِ لُغَةً وَاصْطِلَاحًا، وَنِسْبَةُ الْقَوْلِ الْمَذْكُورِ إلَيْهِ فَتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ وَهُوَ عَجِيبٌ) إنَّمَا الْعَجِيبُ التَّعَجُّبُ مِنْهُ.
(قَوْلُهُ فَحَيْثُ أَقُولُ الْأَظْهَرُ أَوْ الْمَشْهُورُ) الْمُرَادُ بِالْأَظْهَرِ أَوْ الْمَشْهُورِ اللَّفْظُ أَيْ وَحَيْثُ أَقُولُ هَذَا اللَّفْظُ وَهُوَ مَرْفُوعٌ عَلَى الْحِكَايَةِ لِحَالَةِ رَفْعِهِ، وَيَجُوزُ غَيْرُ الرَّفْعِ أَيْضًا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَقَوْلُهُ فَمِنْ الْقَوْلَيْنِ أَيْ فَمُرَادِي بِالْأَظْهَرِ أَوْ الْمَشْهُورِ أَيْ بِهَذَا اللَّفْظِ هُوَ الْأَظْهَرُ أَوْ الْمَشْهُورُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ أَوْ الْأَقْوَالِ أَيْ الْقَوْلُ الْأَظْهَرُ أَوْ الْمَشْهُورُ مِنْهُمَا أَوْ مِنْهَا فَالْأَظْهَرُ أَوْ الْمَشْهُورُ الْمَذْكُورُ فِي الْمَتْنِ الْمُرَادُ بِهِ اللَّفْظُ وَالْمُقَدَّرُ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ مِنْ الْمُرَادِ بِهِ الْقَوْلُ لَا اللَّفْظُ فَتَأَمَّلْهُ وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ نَظَائِرَهُ الْآتِيَةَ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ حَاصِلَ الْمُرَادِ وَحَيْثُ أَذْكُرُ هَذَا اللَّفْظَ فَقَدْ أَرَدْت بِهِ وَعَبَّرْت عَنْ الْقَوْلِ الْأَظْهَرِ أَوْ الْمَشْهُورِ مِنْ الْقَوْلَيْنِ إلَخْ.